أصالة الماضي وجمال تراث الأجداد بقلم شهد عبدالله ال غصاب القرني

بيوت الطين هي إحدى أقدم أنواع المساكن التي عرفها الإنسان، وقد شُيِّدت في مناطق كثيرة من العالم، وخصوصًا في شبه الجزيرة العربية وأجزاء من إفريقيا وآسيا، حيث توفر البيئة الجافة المواد اللازمة لبنائها، وتناسب طبيعة الحياة البسيطة التي عاشها الإنسان في الماضي.

تُبنى بيوت الطين من الطين المخلوط بالقش أو التبن، ثم يُعجن هذا الخليط ويُشكَّل على هيئة قوالب تُجفف تحت أشعة الشمس. وبعد ذلك تُرص القوالب لبناء الجدران، وتُغطى باللبن أو طبقة من الطين الناعم لتقويتها ومنع تشققها. ويُستخدم الخشب في تسقيف البيت أو في دعم الأبواب والنوافذ.

ما يميز بيوت الطين أنها عازلة للحرارة؛ فهي دافئة في الشتاء وباردة في الصيف، مما يجعلها مناسبة جدًا للبيئات الصحراوية. كما أن بناءها لا يحتاج إلى تكلفة عالية، فهي تعتمد على مواد طبيعية متوفرة محليًا، وتُعد صديقة للبيئة.

إلى جانب فوائدها العملية، تحمل بيوت الطين طابعًا تراثيًا وثقافيًا يعكس نمط الحياة القديم وعراقة الأجداد. فكثير من القرى القديمة لا تزال تحتفظ بهذه البيوت، وقد أصبحت مزارًا سياحيًا ومصدر فخر لأهلها. وفي بعض الدول، تُرمَّم بيوت الطين وتُستخدم في مهرجانات تراثية لإحياء الماضي الجميل.

ورغم تطور العمران الحديث، إلا أن بيوت الطين لا تزال تثير الإعجاب، لما فيها من بساطة وجمال وتناسق مع الطبيعة. كما بدأ بعض المهندسين المعماريين في العصر الحديث بالعودة لاستخدام تقنيات البناء الطيني ضمن التصاميم البيئية المستدامة.

في منطقة عسير، خصوصًا في قرى مثل رجال ألمع، وطبب، وسودة، نرى بيوت الطين تتزين بألوان زاهية ونقوش فنية تُعرف بـ”القط العسيري”، وهو فن زخرفة داخلي تُمارسه النساء، يُضفي على الجدران لمسة من الجمال الفريد. تُبنى هذه البيوت على شكل طوابق متعددة، وغالبًا ما تُستخدم الصخور والطين وخشب العرعر في البناء
فإن بيوت الطين في جنوب المملكة ليست مجرد مساكن، بل هي قصص من الماضي، وشهادات حية على حضارة الإنسان الجنوبي

في الختام، تظل بيوت الطين شاهدًا حيًا على ذكاء الإنسان القديم في التكيّف مع بيئته، وهي تعبير عن أصالة وهوية وثقافة لا يجب أن تُنسى، بل تُحترم وتُحفظ للأجيال القادمة

صور تغلب الحقيقة عن جمال القط العسيري وأجواء الجنوب ✨

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *